1-مولده ونشأته :
وُلِدَ المرحوم المبرور الخطيب الملا عبد الرسول بن عبد الكاظم بن محمد البصارى في حي الديرة من أحياء جزيرة تاروت في اليوم التاسع من شهر رجب سنة 1364هــ وكان والدُه يعمل في البحر مُدَّة من السنين ، ثم اشتغل في التجارة ، وتولى فترة من الزمن منصب عُمْدَةِ تاروت ، وتُوفِّي سنة 1371هــ فابتُليَ باليتم ، وذاق مرارته ، ولم يبق في ذاكرته من حياة أبيه إلا قليلا من الذكريات التي كان يصطحبه فيها إلى الحسينيات في مختلف المناسبات ويتذكر قراءته للقرآن الكريم في فجر كل يوم ، وتولت والدته تربيته والاعتناء بشؤونه ، وهيأت له أسباب صعود وكانت متعلقة بالإمام الحسين ، ومتأثرة به كثيرا ، وانعكس هذا التأثر البالغ على تربيتها لابنها فحثته على مواصلة تعلم وحفظ القرآن الكريم ثم القراءة الحسينية ، كما أنها هيأت له أسباب صعود المنبر من تشجيع وشراء كتب وغير ذلك ، فكانت هي صاحبة الفضل في سلوكه هذا الطريق ، وقد أُصِيبَ بمرض وعمره أربعة أشهر أفقده ضوء عينيه فلم يبق له منهما غير بصيص نور ضئيل .
2- مَسيرته التعليمية :
بدأ مسيرته التعليمية منذ سن مبكر حيث دَرَسَ ما يلي:
أ - تَعَلُّم القرآن الكريم :
بدأ تعلم القرآن الكريم في حياة والده ، وبعد أنْ تُوفِّيَ واصلتْ والدته دفعه إلى إتمام ما ابتدأه من تعلم القرآن الكريم ثم بعثه إلى مَنْ يُعَلِّمُهُ القراءة حيث بدأ قراءته كما يلي:
أولا: بدأ قراءة القرآن الكريم عند امرأة من أقاربه وختم عندها جزأين .
ثانيا: انتقل إلى الحاج عبد الكريم الطويل وكان أحد مشاهير المعلمين في وقته ، وكان مكتبه مملوء بالطلبة ، مما لم يتحْ له فرصة الاهتمام به كثيراً ، بينما هو محتاج إلى رعاية خاصة وعناية منفردة لضعف بصره وقد حفظ عنده ثلاثة عشر جزءا تقريبا .
ثالثا: انتقل إلى الحاج محمود بن علي آل درويش وهو ابن أخت آية الله المعتوق وكان رجلاً وقوراً ، وشيبة محترمة ، ورجل إيمان وروحانية ، وكان إذا قرأ القرآن الكريم تشعر بعظمة قراءة القرآن الكريم ، وقد مكث عنده أشهرا حفظ خلالها خمسة عشر جزءاً .
ب - اِلتحاقه بالدراسة الحوزويَّة :
فقد اِلتحق بالدِّراسة الحوزويَّة في البلاد وفي النجف الأشرف فكان يقصدها من شهر ربيع الأول إلى شهر شعبان ، وقد بدأ الذهاب إليها في عام 1389هــ واستمر في ذلك ثلاث سنين ، وكان هدفه من الذهاب إلى النجف الأشرف مُضافًا إلى طَلَبِ العلوم الدِّينيَّة تقوية الجانب الخطابي لديه ومن العلوم التي دَرَسَهَا :
أولا: دَرَسَ كتاب الاجروميَّة الذي ألَّفَه أبو عبد الله محمد بن داود الصنهاجي المعروف بابن آجروم المولود سنة 672هـ وقد قرأ ذلك الكتاب عند العلامة الشيخ علي بن يحي .
ثانيًا: دَرَسَ كتاب قطر الندى الذي ألَّفَهُ أبو محمد عبد الله جمال الدِّين بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصاري المولود سنة 708هـ وقد قرأ ذلك الكتاب عند العلامة الشيخ علي بن يحي .
ثالثًا: دَرَسَ كتاب شَرْحِ الألفية لابن عقيل عبد الله بن عبد الرحمن العقيلي الهمداني المولود سنة 698هـ وقد درس شطرًا منه عند العلامة الشيخ علي بن يحي وشطرًا آخر عند العلامة الشيخ علي بن العلامة الشيخ منصور المرهون وشطرًا آخر عند الشيخ ميرزا حسين البريكي رحمه الله تعالى .
رابعًا: دَرَسَ كتاب عقائد الإمامية الذي ألَّفَهُ العلامة المجدد الشيخ محمد رضا المظفر المولود سنة 1322هـ وقد دَرَسَ ذلك الكتاب في النجف الأشرف عند العلامة الشيخ منصور البيات .
خامسًا: دَرَسَ كتاب الدِّين والإسلام الذي أَلَّفَهُ العلامة الشيخ محمد حسين بن الشيخ علي بن الشيخ محمد رضا كاشف الغطاء المولود سنة 1294هــ وقد دَرَسَ ذلك الكتاب في النجف الأشرف عند العلامة الشيخ منصور البيات وقد تأثر به كثيراً سيما في الجانب العقائدي .
سادسا: دَرَسَ كتاب الباب الحادي عشر النافع يوم الحشر الذي أَلَّفَهُ العلامة الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر المعروف بالعلامة الحلي المولود سنة 648هـ وقد دَرَسَ شطرًا منه عند الشيخ ميرزا حسين البريكي .
سابعا: دَرَسَ كتاب شرائع الإسلام للمحقق الحلي عند العلامة الشيخ منصور البيات
ثامنًا: أخذ بعض الدروس عند العلامة الشيخ فرج العمران القطيفي وقد أخذ تلك الدروس أثناء تواجد الشيخ فرج العمران في جزيرة تاروت في رحلاته السنوية وكان زميله في الدرس الشيخ عيسى بن عباس .
ج ــ صُعُودُهُ المنبر:
بدأ صعود المنبر في أواخر شهر شعبان سنة 1376هــ متتلمذا على يد خطباء بلده مستفيداً منهم :
1ـ الملا خليل أبو زيد: ويعتبر في طليعة خطباء البلد ويُعَدُّ ذا تحصيل جيد ، وهو أول مَنِ التحق به وأكثر مَنِ استفاد منه في هذا المجال ، وقد تعلم عنده أصول الخطابة ، بل هو أستاذه الاول في هذا المجال وما عداه فالتلمذة عليهم تلمذة غير مباشرة فكان يدفعه إلى أن يتعلم ويذهب لمن يقرأ عليه القصائد وبعد أن يحفظها يقرأها عليه ليصحح ما يمكنه تصحيحه ويساعده في إيجاد رابطة بين القصيدة العربية والأبيات الشعبية ، وأما بالنسبة للموضوع فقد كان يحفظه من بعض الكتب ككتاب شجرة طوبى أو كتاب المجالس السنية وبعد أن يحفظه يقرأه عليه لتتم المراجعة والتصحيح لِمَا لعله يحفظه خطأ أو قُرِئَ عليه خطأ .
2ـ الشيخ علي بن إبراهيم التاروتي: وكان يقرأ عادة حسينية أسبوعية في بيت خال الفقيد مما هيأ له قليل اتصال به .
3ـ الملا عبد الله المبشر: وكانت الاستفادة منه استفادة صوتية فقد ترك فيه أثراً بارزاً في بداية حياته من حيث الاهتمام بالأطوار والأصوات وقد قدَّم له في بعض المجالس إلا أنها محدودة .
4ـ الشيخ ميرزا حسين البريكي : فكان له دور كبير في خطابته وإن كانت تلمذته عليه غير مباشرة فقد كان متأثرا به كثيرا وكانت أولى قراءته في تاروت في فاتحة ملا عبد علي الصفار حيث قرأ وانتزع إعجاب الجميع وكان له حضور واضح في فواتح الشخصيات وفي مجالس البلد وقرأ في إحدى السنوات في شهر رمضان المبارك ليلا ونهارا فواظب الفقيد على استماع مجالسه وصارت بينهما علاقة وطيدة .
وبداية استقلاله بالخطابة كانت نيابة عن أستاذه الملا خليل في حالة انشغاله أول مرضه وأول مجلس قرأه مستقلا سنة 1378هـ أما استقلاله بقراءة شهر محرم فكانت سنة 1382هـ .
ولا يخفى أن الملا عبد الرسول البصارى من أصحاب الأطوار الخاصة به ، وقد استفاد من أطوار الخطباء السابقين وجدد فيها واخترع بعض الأطوار أيضا وكان يقول :
(( إنَّ استفادتي الصوتية أرجعها إلى الملا عبد الله المبشر ، وقد كنتُ أُعْجَبُ قديما بصوت الملا سعيد المرهون فهو صاحب صوت جميل ومؤثر ، وكان منبره منبرا حيًّا ))
د ــ أول مرة صعد فيها المنبر:
كان أول مرة صعد فيها المنبر في حسينية (العزيه) وقد قام إلى المنبر خجلا فقرأ وهو في حياء شديد أبيات من قصيدة السيد رضا الهندي :
كيف يصحو بما تقول اللواحي |
|
مَنْ سقته الهموم أنكد راحِ |
ثم أعقبها بأبيات شعبية من الشعر الدَّارِج وهي ما يلي:
ينصار دين المصطفى ويا عمدة الدين |
|
يهل الحميه قدِّموا مهر الولي حسين |
وفي ليلة ذلك اليوم صعد المنبر أيضا إلا أنه بثبات واستقرار أكثر وقرأ أبياتا من نفس القصيدة وأعقبها بأبيات شعبية للملا عبد المحسن العقيلي :
مرت على اخوتها ونادت يا بهاليل |
|
قعدوا يشجعان الحرب لعيال بتشيل |
هـ ـ قصة من لسات الفقيد:
في عام 1382 هــ في ذكرى وفاة الإمام الهادي وكان وقت الجولة الإرشادية للعلامة المقدس الشيخ فرج العمران تعالى وقد حضر مجلس تعزية في بيت خالي وبعد الانتهاء أعلنت عن القراءة في حسينية الشايب وإذا بالشيخ يحضر للاستماع ثم أعلنت عن القراءة في حسينية العزية فحضر أيضا وبرؤية الناس للشيخ فرج العمران في مجالسي الثلاثة نظروا إليَ باهتمام حتى قال بعضهم :
(( استماع الشيخ لك في مجالسك الثلاثة دليل على أنك شيء ))
وكانت مجالسي الثلاثة على النحو التالي:
المجلس الأول: حول الحديث القدسي الوارد:
(( عبدي أطعني تكن مثلي ........................................)) ثم ربطته بقصة المرأة التي ادعت أنها زينب بنت أمير المؤمنين والقصة في بحار الأنوار للعلامة المجلسي 50/149 .
المجلس الثاني: حول الحاجة إلى الإمام وذكرتُ قصة هشام بن الحكم مع عمرو بن عبيد والقصة في بحار الأنوار 23/6 .
المجلس الثالث: حول الحوادث الخارقة للعادة ومعاجز الإمام .
و ـ ارتباط الفقيد بالمراجع والعلماء:
كان الملا عبد الرسول البصارى مرتبطا بالمجتهدين والعلماء وقد حدَّثَ عن نفسه فقال :
1ـ علاقته بآية الله الشيخ مرتضى آل ياسين : قال الفقيد :
(( زرته كثيرا وتعلقتُ به وهو رجل روحاني ومثال للطهر والزهادة ))
2ـ علاقته بآية الله السيد محمد باقر الصدر : قال الفقيد :
(( ترددتُ على مجلسه وكان مؤثرا في النفس ومجالسه ما زالت في الذاكرة حتى الآن حيث يجذبك بعلميته وأخلاقه العالية فقد رأيته يقف في الشارع احتراما لمن يسلم عليه )) .
3ـ علاقته بالشيخ علي بن إبراهيم التاروتي : قال الفقيد :
(( كان أحد فضلاء تلك الفترة وكان كفيف البصر قليل الحظ مع فضله وخلقه فإنك حين تقرأ عنه في الأزهار تقرأ عنه أنه محصل ويحمل فضيلة لا بأس بها إلا أنه لم يحمل من الاهتمام ما يستحقه كان خطيبا محصلا مؤمنا ذا صوت شجي ولغة عربية وللأسف أنه مضى بلا تراث ولا ولد تُوفي سنة 1377هـ وأتذكر أن يوم وفاته كان يوما مشهودا فتأثرت البلد كثيرا وكانت جنازته مشهورة )) .
4ـ علاقته بالشيخ ميرزا حسين البريكي : قال الفقيد :
(( رجل حوزوي محصل وله اطلاع واسع على الأدبيات ويحمل ثقافة عالية ونستطيع القول بأن له فضلا على أدباء القطيف فقد كان منبره منبرا متميزا جديدا فهو رائد ومجدد في الخطابة الحسينية بالقطيف وكان قمة في الخطابة بلا شك ولا ريب وأرى أنَّ له دورا متميزا ورتبة عالية في زمانه فهو بين أقرانه متميز وهو أستاذ بلا شك ويشاركني هذا الرأي حتى خطباء العراق الذين جاؤوا البلاد في تلك الفترة ولكن مجالسه آخر حياته لم تكن بالمستوى الذي كانت عليه أيام قوته وصحته وهذا ما يجعل مستمعي مجالسه المسجله لا يعطونه حقه من المكانة العالية التي كان عليها أيام قوته وصحته فهو في أخريات حياته قد تعب وأخذ منه مرض السكري مأخذه البالغ حتى أثر على ذاكرته فأثر على مستواه الخطابي فضعفه لم يأتِ نتيجة تقصير منه وعدم اهتمام ولا لأن غيره قد بزَّهُ من الخطباء الصاعدين وقد قرأ في النجف الأشرف عدة مجالس وكان يحضر مجالسه الفضلاء من العلماء فأعجبوا بقراءته كثيرا ولم يلاحظوا عليه لاسترساله في القراءة بلهجته المحلية أما مستواه الخطابي ومعلوماته المطروحة فقد أعجبوا بها ونالت استحسان الجميع وأما من ناحية الصوت فصوته لم يكن جميلا ولكن له تأثيرا بالغا في النفوس وكانت تربطني به علاقة قوية )) .
5ـ علاقته بالملا عبد الله المبشر : قال الفقيد :
(( يمتاز بصوته المؤثر وألحانه المتنوعة وتعزيته الشجية فحنجرته مرنة وصوته جميل وتعزيته مؤثرة حتى في مرضه وشيخوخته وكان يأخذ من الخطباء العراقيين الوافدين إلى البلد أطوارا ولكن له ميزته الخاصة به وكان يتفاعل مع القراءة صوتا وحركة وله أطوار خاصة به ومؤثرة جدا إلا أنها وللأسف ضاعت وأتذكر أنه كان في اليوم الثامن من المحرم يقيم المصرع بهذه الأبيات:
آه وشراك النعل منَّه انقطع |
|
وأقبل الأزدي وضرب شبل الحسن |
وكان يلتزم في قراءة آخر مجلس في الفاتحة بأبيات ملا عبد المحسن العقيلي وله طوره الخاص به:
قبر حسين دربه وين |
|
دلوني به يا شيعتنه |
وتُوفي في مكة المكرمة في شهر رجب سنة 1394هـ .
6ـ علاقته بالسيد جواد شبر : قال الفقيد :
(( هو خطيب المناسبات في النجف الأشرف وأكثر خطابته حول التاريخ حتى معالجته للمشاكل الاجتماعية كان ينفذ لها من خلال التاريخ وهو خطيب حسيني بارع وكأنَّ دمعة المستمع بيده ))
ز ـ نماذج من شعر الفقيد :
سُئلَ عن تجربته مع الشعر الفصيح والشعبي فقال :
(( نظمتُ الشعر الشعبي منذ كان عمري ثلاثة عشر سنة إلا أنني لم أواصل مشواري الشعري فكنتُ مُقِلاًّ وكذلك في الشعر الفصيح فليس لي سوى قصائد معدودة لم أهتم بحفظها مما تسبب في ضياعها وأول ما كتبتُ في الشعر كتبتُ أبياتا تحمل خطابا لأهل المدينة على لسان بشر:
جوكم بنات المصطفى يهل المدينه |
|
وزين لعباد ايصدع المرمر ونينه |
ونظمتُ تلك الأبيات أيضا:
كم عاتب عابني في مذهبي ولكم |
|
قالوا الأقاويل من زور وبهتانِ |
ولي قصائد أخرى أيضا في بعض مناسبات أهل البيت .
ح ــ انتقاله إلى الرفيق الأعلى :
انتقل إلى الرفيق الأعلى في ليلة السبت 4/3/1433هـ وقد شُيِّع في ظُهْرِ يوم السبت الساعة الثانية والنصف ظهراً وقد حاز تشييعاً باهراً حيث حضر أهالي البلاد من كل جهة وصلى عليه سماحة العلامة السيد منير نجل المرحوم السيد عدنان الخباز القطيفي وألقى كلمة تأبين قبل الصلاة في حق الفقيد وكذلك صلى عليه سماحة العلامة الشيخ غالب آل حماد التاروتي وقال فيه الشاعر أبو مجتبى العمران:
فَقْدٌ بِوَزْنِكَ يُوهِي السَّهْلَ والْجَبَلا |
|
يَا منْبَرًا يَتَمَسَّى أَينَمَا اِنْتَقَلا |