محاضرة بعنوان أولوا العلم والتوحيد

محاضرة للخطيب الحسيني خادم أهل البيت عليهم السلام

الشيخعبد الرسول البصارة رحمه الله في 6 / محرم /1410 هـ

بعنوان أولوا العلم والتوحيد

 

قال تعالى ( شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) [آل عمران:18].

الآية المباركة تناولت قسمين من المعارف أو أصلين من الأصول الاعتقادية الخمسة التي يلزم الاعتقاد والتسليم بها، تناولت التوحيد وتناولت العدالة.

كيف عرفنا أن الآية تناولت هذين القسمين من المعتقدات، أو من المعارف ؟؟

أولاً : قوله سبحانه (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ) ،فهذه الشهادة بأي معنى ؟؟ وكيف تكون شهادة الله ؟؟

الشهادة هي عبارة عن الإخبار الناتج عن العلم بالمشهود له...الله كيف يخبر عن وحدانيته ؟ إخبار الله أو شهادة الله بوحدانيته هي عبارة عن إظهار الآثار الدالة على قدرته المطلقة، والدالة على وحدانيته، وهي السبيل إلى المعرفة بالنسبة إلى الأكثرية، لماذا ؟ لأن الناس بالنسبة للمعرفة طبعاً على أقسام : فقسم ليسوا محتاجين في المعرفة إلى دليل وهم العرفاء، فالواحد منهم يناجي الخالق يقول "بك عرفتك وأنت دللتني عليك "1، أبدا ليس محتاج إلى وسيلة أو واسطة " بك عرفتك "، أو تسمعه يقول " يا من دل على ذاته بذاته وتنزه عن مجانسة مخلوقاته "2، أو تسمعه يقول " لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقينا " 3، لكن هذا ليس لكل الناس بل لقلة منهم وهم الحاصلين على المستوى والرتبة من المعرفة بحيث لا يحتاجون إلى دليل أو واسطة، وهؤلاء طبعاً تكون طاعتهم وانقيادهم مماثل لتلك المعرفة وعلى أساسها، فهذا أمير المؤمنين سلام الله عليه وهو سيد الموحدين وإمام المتقين عندما يقول له سائل يريد أن يتبجح ليقابل الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام بأمر لا يستطيع له جواب ولا يستطيع له مخرج، يقول له هل رأيت ربك؟ فيقول سلام الله عليه " ما كنت بالذي أعبد ربا لم أره ". هذا السائل عندما سمع " ما كنت بالذي أعبد ربا لم أره " تراءى له  أنه الآن ظفر بعلي بن أبي طالب، فقال له كيف رأيته؟! صفه لنا؟! - إن كنت رأيته فنطلب منك أوصافه أطويل؟ أقصير؟ الخ.

فالتفت له الامام عليه السلام وقال " إن ربي لا تراه العيون بمشاهدة الأبصار، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان، جل ربي أن يوصف بمجيء أو بذهاب أو بحركة أو بسكون أو بقيام، قيام انتصاب، لطيف اللطفاء لا يوصف باللطف، عظيم العظماء لا يوصف بالعظم، كبير الكبراء لا يوصف بالكبر، جليل الجلالة لا يوصف بالغلظة، رؤوف رحيم لا يوصف بالرقة، مؤمن لا بعبادة، هو بالأشياء على غير ممازجة، خارج منها على غير مباينة، فوق كل شيءٍ ولا يقال شيءٍ فوقه، أمام كل شيءٍ ولا يقال له أمام داخل في الأشياء لا كشيء في شيء داخل خارج عنها لا كشيء عن شيء خارج"

وإذا السائل يسقط مغمى عليه 4...لسماعه كلام غريب عليه، فعندما وقف من أمير المؤمنين هذا الموقف ما كان يتصور أن الإمام علي عليه السلام يصل به إلى هذا الحد بحيث يجعله يقف حائرا.

المهم أن العبادة تكون من نوع المعرفة وتجيء مماثلة لها فمثلا عندما يقف الواحد منا ليصلي أو يؤدي أي عمل من الطاعات يكون ذلك إما بدافع الخوف أي رغبة أو بدافع الرجاء يعني رهبة، لكن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ما كان بهذا الشكل فهو إذ يناجي خالقه يقول له " إلهي كفى بي عزاً أن أكون لك عبداً، وكفى بي فخراً أن تكون لي رباً، أنت كما أحب فاجعلني كما تحب5"، " ما عبدتك خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنتك ولكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك6 "
ويقول (عليه السلام) " إن قوماً عبدوا الله رغبةً فتلك عبادة التجار وإن قوماً عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد وإن قوما ًعبدوا الله حباً فتلك عبادة الأحرار 7"

فهذه العبادة الحاصلة من الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام وأمثاله ليست صادرة عن رغبة أو عن رهبة وإنما عبادة الحر، يقول له " وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك "

المهم هذه المعرفة لا تتأتى إلى كل الناس هذه إلى قلة منهم، والبقية ما هي وسيلتهم إلى المعرفة ؟؟ الوسيلة الى المعرفة هي النظر في الآيات الكونية ، فعند النظر إلى آيات الله الكونية نصل من خلال النظر إلى نتيجة، ألا وهي أن كل أثر صادر عن مؤثر وكل بناء يحتاج إلى باني، فما في هذا الكون من آيات تكوينية هي دالة على وجود خالقها القدير سبحانه.

فقوله سبحانه شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُو هذه الشهادة هي عبارة عن إظهار الآثار الدالة على قدرة الله المطلقة والدالة على وحدانيته                                

فواعجبا كيف يعصى الإله أم كيف ينكره الجاحد

ولله في كل تحريكةٍ وفي كل تسكينةٍ شاهد

وفي كل شيءٍ له آية تدل على أنه واحد

ورد في الحديث القدسي " كُنْتُ كنزاً مخفياً فأحببت أن أُعرف فخلقت الخلق لكي أُعرف 8"، ولهذا دائماً القرآن والتعاليم الصادرة من النبي وأهل بيته سلام الله عليهم، هذه التعاليم دائماً تطالبنا بالنظر والتأمل، تطالبنا بالتفكر حتى أنه ورد " فكر ساعة خيرٌ من عبادةِ سنة 9"، والقرآن يثني على المؤمنين ( الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [آل عمران:191].

(وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ) وهذا التفكر يوصلهم إلى هذه النتيجة يعني يوصلهم إلى أن هذا الخلق مقصود وأنه صادرٌ عن حكمة وليس عبث.

يقول أمير المؤمنين أبو الحسن سلام الله عليه في بعض خطبه التي تناول فيها التوحيد " لو فكروا في عظيم القدرة وجسيم النعمة لسلكوا الطريق وخافوا عذاب الحريق لكن القلوب عليلة والبصائر مدخولة 10 " يعني ما الذي يجعل البعض يبتعد عن الاعتقاد بوحدانية الله غير كون القلوب عليلة والبصائر مدخولة، ولكن لو ظل الانسان يفكر تفكير صحيح سليم لابد أن يصل من خلال تفكيره إلى هذه النتيجة الطيبة

هذا أول ما ورد في الآية الكريمة شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُو فهذه الشهادة هي عبارة عن إظهار الآثار الدالة على وحدانيته ، أيضا وقوله وَالْمَلائِكَةُ فيظهر من الآثار الدالة على القدرة المطلقة أن شهدت الملائكة لله بالوحدانية، ثم قال وَأُوْلُوا الْعِلْمِ يعني أيضا شهد أولوا العلم لله بالوحدانية

قَائِمًا بِالْقِسْطِ يقولون في الكلام محذوف والتقدير شهد الله أنه لا إله إلا هو قائمًا بالقسط وشهدت الملائكة أنه لا إله إلا هو قائمًا بالقسط وشهد أولوا العلم أنه لا إله إلا هو قائمًا بالقسط.

فما معنى قَائِمًا بِالْقِسْطِ ؟؟؟ القسط هو العدل، والعدالة عندنا لاشك أنها أصل من أصول الدين يعني من الأصول الاعتقادية، اعتقاد العدالة لله سبحانه، والعدالة التي نعتقدها لله سبحانه لا تعني أنه لا يتجاوز ظلم ظالم فقط، بمعني لا يظلم ولا يغظ عن ظالم، وهذا قد يحصل من بعض الناس فمن الممكن أن تجد أحداً لا يظلم ولا يتجاوز ظلم ظالم

تسمع أن النبي صلى الله عليه وآله يتحدث عن كافر ما عنده ارتباط بالدين "كسرى" وإذا هو صلى الله عليه وآله يقول " ولدت في زمن الملك العادل كسرى 11 " ملك ما عنده ارتباط بالدين ولكن مع ذلك كان عنده عدالة يعني ما عنده جور على رعيته وفي نفس الوقت ما يتجاوز ظلم ظالم أي ما يسمح لظالم أن يظلم أو لمعتدي أن يعتدي،  فالعدالة التي نعتقدها لله سبحانه بابها ومجالها اوسع من هذا

العدالة التي نعتقدها لله سبحانه هي أنه لا يَصدِر من عنده أي شيء يتنافى مع الحكمة سواء في التكوين أو في التشريع

يعني لو تجيء إلى هذا الكون الرحيب وتَطَّلِع على النظام التكويني فالقرآن يقول (مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ ) ]الملك:3[، فأي كائن وأي مخلوق لن يكون وجوده عبث وكل شيء أوجده الله لغاية، إنما الغايات تختلف ما بين مخلوق وآخر من هنا تسمع الحديث " يا بن آدم خلقت الخلق لأجلك وخلقتك لأجلي 12 "

فانت تعيش وتحوطك كائنات عجيبة نبات وغير ذلك ،وهذه الكائنات وهذه المخلوقات التي تحوطك هي مخلوقة لأجلك مخلوقة على حسابك، النبات لك، منه غذاء ومنه لباس ودواء ومنه فاكهة ومنه ومنه .... كله لك،  هذا النبات بمختلف فصائله تسمع القرآن  (وَفَاكِهَةً وَأَبّاً * مَّتَاعاً لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ) ]عبس 31-32[.  

كثيراً ما يذكرنا القرآن بنعم الله، لماذا ؟؟؟ الغاية من ذلك ليس الامتنان، وإنما القرآن إذ يُذَّكِرُنا بنعم الله كأنما غايته أن يهيئنا للشكر حتى لا نَضل معرضين عن شكر النعمة، وعن مقاربة المنعم بالشكر.

(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا)]الاسراء 70[،

 فهذه الكائنات من أنواع الخلق التي تعيش وإياك على سطح الكوكب، بل حتى بعض العوالم العلوية، لاحظ هذه الأجرام السماوية من شمس و قمر وغير ذلك، كأنما هي لك،هذه كأنما على حسابك  لماذا ؟؟ لأن أثرها على استمرار الحياة وصلاحية الحياة أثر ظاهر ولذلك القرآن يُذَّكِرُنا (وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ * وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ) ]يس 37-38[ ، أيضا يُذَّكِرُنا  (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا ) ]الشمس 1-3[ ، هذا كله تذكير للإنسان بآيات ونعم الله التي تحوط به عساه يلتفت ويقابل تلك النعم بالشكر وإن كان عاجزاً عن القيام بالشكر كلَّ القيام ولكن الله رؤوف بعباده يقبل اليسير ويعفو عن الكثير

إذاً عندما تلقي نظرة على النظام التكويني تتجلى لك العدالة وتتجلى لك الحكمة، تعرف عدالة الله وأن الله ما أوجد شيء عبث، وكذلك عندما تَطَّلِع على النظام التشريعي  تجد أن عدالة الله واضحة

في النظام التشريعي لماذا حرم الله ولماذا أوجب ؟؟  إنما أوجب ما أوجب لحكمة وإنما حرم ما حرم لحكمة يعني هذه التعاليم وهذه الأحكام التي وافانا بها الدعاة إلى الله عز وجل وجاءنا بها الأنبياء والرسل سلام الله عليهم لا يمكن توجيه علامة استفهام على حكم من تلك الأحكام أو تكليف من تلك التكاليف، كلها عندما تطلع عليها تجدها صادرة عن حكمة، صادرة عن عدالة.

هنا نسأل بعد أن يقول القرآن شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُو يعني أوجد الآثار الدالة على وحدانيته، من أدرك هذه الحقيقة حقيقة التوحيد؟؟ من هو الذي عرف توحيد الله ؟؟ من وحد الله ؟؟؟

أولاً: الملائكة شهدوا على وحدانية الله بما رأوا من آثار دالة على قدرته وعلى وحدانيته،  أيضاً من غير الملائكة ؟؟ القرآن يقول لك أولوا العلم  يعني أولوا العلم هم الذين وصلوا لحقيقة التوحيد، يعني وحدوا الله وأدركوا حقيقة التوحيد. ولهذا ورد في الحديث " بالعلم يُعبد الله وبه يوحد " لكن من هم أولوا العلم الذين وحدوا الله وأدركوا حقيقة التوحيد ؟؟؟

نقول لا شك أن العلم شريف وكلما ازداد الإنسان منه حَصَلَ على رسوخ الإيمان أكثر

فكلما ازداد الإنسان علم وكانت عنده حصيلة علمية أكثر كانت عقيدته أرسخ  وإيمانه أقوى فالعلم على كل حال شريف وتحصيله للإنسان مهم لأنه وسيلة رسوخ العقيدة

ما أريد قوله أن أولوا العلم  الذين يُعَرِّفَهم القرآن بأنهم في صف الملائكة بحيث هم من أدرك حقيقة التوحيد من هم ؟؟؟

لما نرجع للمفسرين فإنهم يقولوا علماء المؤمنين هم أولوا العلم الذين وصلوا إلى حقيقة التوحيد والعدل، يعني وحدوا الله كما هو المطلوب

لكن لا يخفى أن العلم تارةً يكون كسبي وتارةً يكون إلهامي، ولا شك أن ما من أحدٍ من الخلق إلا علمه زائدٌ على ذاته، فلا بد من تصور ذات وتصور علم والعلم غير الذات والذات غير العلم

فذاك الذي علمه ذاتي هو الله عز وجل أي أن علمه ليس زائد على ذاته، أما غير الله فكلٍ علمه زائدٌ عليه يعني لا بد نتصور ذات ونتصور علم، لهذا نقول فلانٌ عالم يعني يوجد ذات لواحد من الناس اسمه زيد زائداً على زيد العلم  أي أنه حَصَّلَ العلم، لكن ما هي طريقة تحصيل العلم ؟؟؟

طريقة تحصيل العلم تارة الكسب وتارة الإلهام فقسمٌ من الناس علمهم كسبي يحتاجوا أن يتعلموا ويبذلوا الجهود في طلب العلم لتحصيله، وقسمٌ آخر لا يحتاج إلى كسب العلم لأنه يتلقى العلم بالفيوضات الالهية يعني عنده إلهام من الله

بعد أن عرفنا هذا لا شك أن العلم الإلهامي أفضل من العلم الكسبي لماذا ؟؟ لأن العلم الكسبي ممكن يطرأ عليه الخطأ، ممكن يكون غير صحيح، ولهذا تلاحظ كم تتغير النظريات فمثلاً يوم عالم يأتي بنظرية ويوم آخر يأتي بنقيضها ، كذلك أيضا بالنسبة للفقه والخلاف بين العلماء وإن كان في الواقع لا خلاف بين العلماء أنفسهم يعني لما يرتفع الخلاف إلى العلماء تجد أن لا وجود له، لكن المشكلة في تدخل العوام في هذه الخلافات، وهذا هو البلاء و الداء الخطير ،فعندما تسمع  من يقول أنت ترجع إلى فلان وأنا أرجع إلى فلان وفلان يرى كذا وفلان يرى كذا ، يشغلك بمثل هذا الكلام..ما أنت وذاك ؟؟؟ لازم كل واحد منا يحترم نفسه، ولازم نراعي الفرق بين العالم والجاهل، القرآن يقول ( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) [الزمر: 9]‏، والقرآن يقول ( ‏‏يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ‏) ‏[‏المجادلة‏:‏ 11‏]‏، فإذاً على الجاهل أن يحترم نفسه ولا يحاول أن يتدخل في قضايا العلماء ، فقضايا العلماء تخص العلماء.،فإذا كانت ثقتك أوصلتك إلى أن فلاناً هو المؤهل والحمد لله، الآخر أيضا ثقته أوصلته إلى أن فلاناً هو المؤهل فلا داعي للتشاغل بأن فلان أحسن أو فلان أرفع أو أقل فهذه حكايات في الواقع ينبغي أن نتجنبها لأنها لا تجلب لنا مصلحةً أبداً، ولا تقدم لنا فائدة بل توقع بيننا الفرقة وتؤدي إلى نتيجةٍ غير طيبة إطلاقاً.

نقول أن العلم المكتسب ممكن يحصل فيه الخطأ لأنه مكتسب فهو روى فلانٌ عن فلان وما ندري ما حصل لهذا الراوي يمكن هذا الراوي نسي يمكن كذا ...

على كل حال العلم المكتسب من الجائز أن يعتريه الخطأ، أما العلم الإلهامي هذا بعيد عن الخطأ، فالعالم الذي يتلقى العلم بواسطة الفيض الإلهي، بواسطة المدد الإلهي، لا يعتريه خطأ ولا نسيان، لأنه نتيجةً لقربه من خالقه وصلته بخالقه دائما لا ينقطع عنه الفيض ولا ينقطع عنه المدد

حتى أنه توجد رواية واردة عن الإمام الصادق رئيس المذهب سلام الله عليه يقول " لولا أننا نزداد في كل ليلة جمعة  لنقص ما عندنا 13" يعني الفيض الإلهي دائماً وأبدا، وهم على صلة مستمرة بخالقهم وهو دائما يمدهم بالعلوم، يمدهم بما يحتاجون إليه.

إذا عرفنا أن العلم تارة يكون كسبي وتارة يكون إلهامي وأن العلم المكتسب قد يحصل فيه الخطأ بينما العلم المُلْهَم الحاصل نتيجة الإلهام هذا بعيد عن الخطأ فمن هم العلماء الذي يكون علمهم إلهام من الله سبحانه ؟؟؟

العلماء الذين علمهم إلهام من الله سبحانه هم الأنبياء والحجج صلى الله عليهم يعني عندنا وفي عقيدتنا أئمة الهدى صلى الله عليهم بعد النبي صلى الله عليه وآله علماء ملهمون وعلمهم من الله سبحانه فعلمهم غير مكتسب والإمام لا يحتاج لكسب العلم يعني لا يحتاج أن يتعلم أو يطلب علوم ومعارف

فإذا كان الأئمة عليهم السلام ليسوا محتاجين إلى هذا و علمهم إلهام من الله، وأعتقد من الممكن القول بجزم أن ليس هناك أحد من المسلمين يدَّعي العلم الإلهامي لغيرهم

طبعاً لأن كل العلماء الذين يرجع لهم المسلمون ثبت أنهم اكتسبوا من غيرهم وتعلموا على غيرهم فنقول كذا روى فلان عن فلان أو فلان قضى عن فلان وفلان حضر حلقة فلان وهكذا

التفت إلى هذه النقطة أن لا أحد يدَّعي العلم الإلهامي غير أئمة الهدى إطلاقاً وأئمة الهدى صلى الله عليهم كون علمهم إلهام هذا أمر ثابت مقطوع به وما فيه نزاع وإلا كيف يُجيب الإمام الجواد عليه السلام على ثلاثين ألف سؤال وعمره سبع سنين

التفت هذا تاريخك وهذه مقدساتك الإمام الجواد عليه السلام وعمره سبع سنين يُجيب على ثلاثين ألف سؤال بأي واسطة؟؟ إذا كان علمه كسبي متى تعلم هذا ؟؟! أنت إذا تسمع أن أحداً يحفظ القرآن عن ظهر قلب وعمره سبع سنين تستغرب وهذا محل العُجب فكيف يكون ذلك إلا أن يكون علمهم بإلهام من الله عز وجل

إذا عرفنا هذا فاذا أولوا العلم هم أئمة الهدى أهل البيت صلى الله عليهم وهم الذين وصلوا إلى التوحيد الصحيح والناس استفادوا التوحيد منهم ومن أتى بعدهم استفاد العلم منهم

و ما أكثر العلماء الأبرار الأخيار الذين استفادوا العلم من أئمة الهدى سلام الله عليهم

لما ترجع إلى هذا التاريخ تجد أئمة الهدى صلى الله عليهم كم أنتجوا وكم أبرزوا من علماء حلماء أبرار أخيار

ومن العلماء الأبرار الأخيار حبيب بن مظاهر الأسدي هذا رجلٌ عالم، وقمة في العلم، صحب أمير المؤمنين سلام الله عليه وكان ملازم له أي ملازمة يعني ما حاد عنه ولا زال حتى أنه هاجر إلى الكوفة لما هاجر إليها الإمام سلام الله عليه ودائماً كان تحت منبر أمير المؤمنين عليه السلام، يوم من الايام يقول له الإمام علي سلام الله عليه :حبيب ما يزين المرء. قال: حلم وعلم وشجاعة. قال له: كل هذه الصفات فيك، ولكن بقي عليك شيء بَعْدُ لم تصل إليه، لكنك ستصل إليه وتحصل عليه وسَتُرزقه قال له: ماهو سيدي. قال له بقي عليك الشهادة

وهذا الإمام الحسين عليه السلام يقول له رحمك الله يا حبيب فقد كنت صواماً قواماً تختم القرآن في ليلة واحدة وهذه شهادة المعصوم في حقه

فهنيئا لك يا حبيب ..[1]



1 دعاء أبي حمزة الثمالي

2 دعاء الصباح لأمير المؤمنين عليه السلام

 

3 شرح نهج البلاغة لأبن أبي الحديد ج10 ص 142

 

4 الكافي للشيخ الكليني ج1 – وفي بحار الاَنوار للعلامة المجلسي ج 4: عن ابن زكريا القطان ، عن محمد بن العباس ، عن محمد بن أبي السري ، عن أحمد بن عبدالله بن يونس ، عن ابن طريف ، عن الاَصبغ في حديث قال : قام إليه رجل يقال له ذعلب فقال : يا أمير المؤمنين هل رأيت ربك ؟ فقال : ويلك يا ذعلب لم أكن بالذي أعبد رباً لم أره . قال : فكيف رأيته صفه لنا . قال : ويلك لم تره العيون بمشاهدة الاَبصار ، ولكن رأته القلوب بحقائق الاِيمان . ويلك يا ذعلب إن ربي لا يوصف بالبعد ولا بالحركة ولا بالسكون ، ولا بالقيام قيام انتصاب ولا بجيئة ولا بذهاب ، لطيف اللطافة لا يوصف باللطف ، عظيم العظمة لا يوصف بالعِظَم ، كبير الكبرياء لا يوصف بالكبر ، جليل الجلالة لا يوصف بالغلظ ، رؤوف الرحمة لا يوصف بالرقة ، مؤمن لا بعبادة ، مدرك لا بمجسة ، قائل لا بلفظ ، هو في الاَشياء على غير ممازجة ، خارج منها على غير مباينة ، فوق كل شيء ولا يقال شيء فوقه ، أمام كل شيء ولا يقال له أمام ، داخل في الاَشياء لا كشيء في شيء داخل ، وخارج منها لا كشيء من شيء خارج .. فخر ذعلب مغشياً عليه ...

 

5 بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج74 ص400

6 بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج72 ص278

 

7  ورد في نهج البلاغة كلمة شكرا بدل حبا ،جامع احاديث الشيعة السيد البروجردي ج1 ص373

 8 الغدير -للشيخ الأميني -ج 11 -ص383

 

9 عوالي الئالئ -لابن أبي جمهور الأحسائي -ج2 –ص57

10 نهج البلاغة الخطبة 185 وفيها ..لرجعوا إلى..بدل ..لسلكوا ..

 

11 كشف الغمة لابن أبي الفتح الإربلي ج1ص14 ،بحار الأنوار ج15 ص276 ، ذكر البعض أنه موضوع أو مرسل

12 الجواهر السنية في الأحاديث القدسية –الشيخ الحر العاملي –ص361  وفيه (عبدي خلقت الأشياء لأجلك.....)

 

13 ثورة الإمام الحسين للشهيد محمد باقر الصدر ص51 "اننا نزداد في كل جمعة ولولا ذلك لنفذ ما عندنا"، جواهر الكلام ج1 ص182

 

اضف هذا الموضوع الى: