محـاضرة بعنـوان الإستعداد للـموت

محاضرة للخطيب الحسيني خادم أهل البيت عليهم السلام في أحد مجالس الفاتحة

بعنوان الاستعداد للموت

 

مـن يـلههِ المُرديـان المـال و الأمــلُ    *****    لـم يـدرِ ما المنجيان العــلم و العــــملُ

مـن لـي بصَيـقَلِ ألبَـابِ قد التـصقـت    *****    بـها الرذائــل و التــاطت بـها العــــللُ

خـذ رشـد نفـسـك مـن مـرآة عقـــلك    *****    لا بالوهم من قـبل أن يغـتالك الأجــــلُ

فـالعـقـل معتـصـمٌ و الوهـــم مُتــهـمٌ    *****    و العــمر منصرمٌ و الدهـر مـرتحــــلُ

إن الأنــامَ مِـطىْ الأيـــام تحـملــهــُم    *****    إلـى الحِــمامِ و إن حــلوا أو ارتحــــلوا

لا يـولـد الـمرء إلا فــوق غارِبــــها    *****     يحـــدو بـه للمـنايـا سـائـقٌ عـجــــــــلُ

ما عذر من بلغ العشرين إن هجـعت    *****    عيـناه أو عــاقه عـن طـاعةٍ كـســــــلُ

يا منـفق العـمر في عصيـان خالـــقه    *****    أفق فإنـك من خـمر الـهوى ثــــــــملُ

تعـصـيه لا مـن عصيــانـه وجــــــلٌ    *****    مـن العـقاب و لا مـن مَـنهِ خــــــجـلُ

أنفاس نفـسك أثــمان الجنـــان فـــهل    *****    تشري بها لهباً في الحشر تشـتــــــعلُ

تشـح بالمـال حرصاً و هــو منتـــقلٌ    *****    و أنـت عنه بـرغـمٍ مــنك تنـتـــــــقـلُ

إن كنت منتهجاً منـهاج ربِّ حِــجَـىً    *****    فــقم بجـنـــــح دُجَــــى لله تنـتــــــتـفلُ

ألا تــرى أوليـــاء الله كيـــف قَــــلَت    *****    طيب الكرى في الدياجي منهم المُـقلُ

يدعـــون ربـــهم فـي فــك عنـقـــهمُ     *****    مـن رِقِّ ذَنبِهــِم و الدمــع ينــــــهـملُ

نحف الجسوم فـلا يُدرى إذا ركــعوا    *****     قِــسِيُّ نَــبلٍ هــم أم رُكــعٌ نُـــــــــبُلُ

يُقال مَرضىً و ما بالقوم من مرضٍ    *****     أو خولـطوا خـبلاً حـاشاهـم الخَـــبَلُ

 

إن من الشعر لحكمة وإن من البيان لسحرا ، ما عذر من بلغ العشرين إن هجـعت  *****  عيـناه أو عــاقه عـن طـاعةٍ كـســــــلُ

لماذا ما عذر من بلغ العشرين وليس الأربعين أو الخمسين أو الستين ؟ من بلغ العشرين يعني في ربيع العمر وهذا الكلام لعالمٍ وليس لشخصٍ عادي ،هذا شعر علماء ، شعر الشيخ حسن الدمستاني رحمه الله ، عالمٌ متمكن من الحُجج يعني ما يقول ويعيه ،فعندما يقول ما عذر من بلغ العشرين فهذا واقع .

لاحظ أولاً أن الإنسان سواء رجل أو امرأة عندما يصل إلى عشرين سنة فمعناه أن القوى المادية مكتملة والتكليف في الفروع يسبق هذا المقدار بكثير سيما بالنسبة إلى الفتاة ،فالفتاة مكلفة بالفروع من حين تكمل تسع سنين

فإذا مضى لها من العمر سنوات تسع تكون مسؤولة عن الصلاة والصيام والحجاب وغير ذلك .ولا يصح أن تخرج إلى الشارع بدون خمار بحجة أنها صغيرة ، ويفترض أن نعودها ونعلمها ما يتعين عليها اتجاه دينها واتجاه خالقها وأن تسبق مرحلة التكليف مرحلة إعداد ومرحلة تهيئة ،وكذلك أيضا بالنسبة للشاب فصحيح أنه قد لا يكون مكلف إلا إذا أتم خمسة عشر سنة ،لكن قد يسبق تكليفه بمقدار ،لأن علامات البلوغ واحدة من ثلاث : الاحتلام أو ظهور الشعر في العانة وإذا لم يكن هذا ولا ذاك فإكمال خمسة عشر سنة ،وبعض الفقهاء يحتاط بأربعة عشر سنة ومن الممكن أن يكون نموه مبكرا ويبلغ وعمره اثني عشر سنة ،وبفرض ذلك لا بد أن تكون هناك فترة إعداد ،فمن عمر سبع سنين نهيئه ونعوده أن يقوم بواجباته الدينية ،وإن كان غير مكلف ،ولكن أنت وليه مكلف على اعداده وتهيئته ، فمثلا وعمره سبع سنين علمه الصلاة ،وإذا تساهل فيها وعمره تسع سنين أنت لا تتساهل معه ادفعه نحو الصلاة ،هيأه إلى الصلاة وهيأه إلى الصيام ،هيأه إلى الالتزام بالآداب وبالتعاليم ،عرفه الأخلاق ،وعرفه ما المراد منه اتجاه خالقه واتجاه مجتمعه ،وكيف يصير ولدا بارا

فهذا لن يكون ولدا بارا وملتزما تلقائيا ،وهي لن تكون فتاة بارة ملتزمة ومؤدبة بدون سابق اعداد ،فلا بد أن تسبق مرحلة التكليف مرحلة اعداد وتهيئة ،و قبل أن يبلغ التكليف يصلي ويصوم ويعرف واجبه اتجاه ربه ومجتمعه وهذه كلها مسؤولية الأب ومسؤولية الأم أو مسؤولية من يعنيه الأمر

الشاهد أن الانسان ما يبلغ عشرين سنة إلا هو مسؤول عن الصغيرة والكبيرة ، وكل شيء  مُحصى عليه (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) ق 18،يعني إذا وصل الإنسان عشرون سنة فهو ليس متروك بل مراقب في حركاته وسكناته ،في نومه ويقضته ،في صحته وفيما ينطق به والذي يراقبنا ويدقق علينا ويحصي علينا ليس مسالة أنه يحيط بحركات أو كلمات بل أكثر من ذلك ،فهو محيط بوسوسة النفس ،بالأحاديث النفسية يعني ما يدور بين الإنسان ونفسه في وقت الخلوة ،الله محيط بذلك

ولذلك الأعمال العبادية والتي لا تصح من المكلف إلا بقصد التقرب إلى الله عز وجل ،والتي لا بد له فيها من الاخلاص الذي لا يظهر بالكلام أو الحركة ،فلا يُعرف المخلص بحركة تحصل منه أو بكلمة تصدر منه ،فقد تكون حركاته وكلماته تأسر لكن مع هذا يكون فاقد للاخلاص ،كيف يكون ذلك ؟ لأنه في قرارة نفسه غير قاصد بعمله الله فلا أحد مطلع على هذا لكن الله سبحانه محيط (فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ) الكهف 110، فهذا إذا كان مصلي لغاية أخرى ،وإذا كانت صادرة منه الحركة الكذائية لغاية أخرى ،فمعرفة هذا راجع لله ،والناس ما يدريهم المقصود بهذه الحركة وجه الله أو المقصود الشيطان أو أي جهة أخرى ،لكنما الله مطلع على ما في السرائر ولهذا يَرُد عمل المرائي (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) ق 16 ،

إذاً التفت ،فمن ناحية عندما نسمع هذا المُقدَّس يقول في هذه القصيدة الوعظية الرائعة ما عذر من بلغ العشرين يعني هذا البالغ عشرين سنة مسؤول عن الصغيرة والكبيرة حركاته وسكناته ونطقه وصحته ويقضته ونومه كلها محصية عليه

ومن جهة أخرى عندما يقول إن هجعت عيناه ،فما الفرق بين من بلغ العشرين أو الثمانين ؟ بالنسبة لمواجهة النهاية لا فرق بينهما فلا من بلغ العشرين عنده جزم على إنه إذا أمسى المساء يبلغ إلى الصبح أو إذا أدرك الصباح يبلغ للمساء ولا غيره عنده جزم بذلك

سيد الأنبياء محمد صلى الله عليه وآله من جملة أحاديثه الوعظية يخاطب أبا ذر الغفاري رضي الله عنه الصحابي الجليل يقول له يا أبا ذر كيف بلغ بك الأمل قال له يا رسول الله إن أصبحت لا أحدث نفسي بالمساء وإن أمسيت لا أحدث نفسي بالصباح ،يقول له طال أملك يا أبا ذر ،لما لا قلت هو نفسٌ إذا غاب لم يعد

 

المسالة ليست محتاجة من الصبح إلى العصر أو من العصر إلى الليل أو من المساء إلى الصباح ،هو نفس إن غاب لن يعد ،فما بين الحياة والموت أقل من الثانية ،وليس مسالة أيام أو ساعات ،لاحظ ما يقول القرآن (فَلا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ ) يونس 49 ، تعبير القرآن بالساعة لا يقصد الساعة المصطلح عليها بالجزء المعين من الوقت الذي يُقدَّر بستين دقيقة والدقيقة ستين ثانية

لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً يعني أقل ما يمكن تصوره من الوقت ولهذا واحد يسأل الإمام الصادق عليه السلام حسب ما تفيد بعض الروايات لماذا بعض الأموات تكون عينه مفتوحة وآخر عينه مغمضة عند الموت ،فيقول له هذا الذي كانت عينه مغمضة جاء له ملك الموت وما أعطاه الفرصة بفتح عينيه وذاك ما أعطاه فرصة أن يغمض عينيه

في لحظة وفي أقل من الثانية يحدث الموت ،فإذا كان الحال كذلك فهل نعتبر للموت وقت معين ؟يعني لازم يحدث في الثمانين أو السبعين ؟ يكون على من في العشرين أن ينتظر ومن في الثمانين أن ينتظر وكذلك من له عشر سنين ينتظر ،والله أعلم ،حتى الذي في بطن أمه مقدار ما يعيش و مقدار ما يبقى في بطن أمه ومتى يخرج كل ذلك بإرادة الله

فلا فرق فيمن بلغ العشرين أو بلغ الثمانين ،وكما أن الذي في الثمانين يكون على أهبة الاستعداد ويكون منتظر وآخذ حيطته وحذره ،كذلك يجب على من في العشرين ، والله المعين

اللهم نبهنا من نومة الغافلين وأعنا على أنفسنا واختم لنا بالصالحات

 

اضف هذا الموضوع الى: