
إن الكتابة عن الاستاذ بعد صحبة أكثر من ثلاثة عقود تكاد تكون عسيرة جداً , خاصة إذا أراد الكاتب أن يستوعب كل هذه السنين , أو أردنا أن نذكر شيئا من التحليل أو الدراسة .
و لذلك فإني سأحاول أن أسرد بعض المواقف بدون أدنى تعليق أو تحليل . و سأدع ذلك للقارئ الكريم .
عرفتُ من الأستاذ اهتمامه بالقرآن الكريم فقد سمعتُ منه أنه حفظ سورة ( يس ) و هو بعدُ لم يكمل الخامسة من عمره حيث كان يسمع تلاوة المرحوم والده فقد كان يقرأها بعد صلاة الصبح يوميا فحفظها منه . و سمعت منه أنه حفظ القرآن الكريم كاملاً و هو في الحادية عشرة من عمره .
و كانت أول إنطلاق صوته أمام الناس في بيت السني في الديرة ( تاروت ) و ذلك في عام 1375 هـ في شهر رمضان . يقول كنت أقرأ القرآن مباشرة بعد القارئ الذي قبلي أينما يقف أواصل التلاوة .
حتى نما عنده الإهتمام بالقرآن الكريم حتى آخر حياته فقد سألني قبل رحيله بعدة أيام إن كنت أستطيع الحصول على قرص مدمج ( سي دي ) لتلاوة الحصري حتى أني قلت له أنا أفضل تلاوة المنشاوي قال لي و أنا أفضل الحصري .
و عرفت منه حبه للغة العربية و آدابها فإنه درس النحو و درسه ، و هذا واضح عند من يستمع إليه فإنه لا يكاد يخطئ في النحو أو في علوم اللغة الأخرى , و أتذكر في هذا المجال أن أحد الأخوة يقول أن الأستاذ يخطئ في مسألتين فنقلت ذلك للأستاذ و قلت له أنت تخطئ في قراءة قصيدة الطرماح ( يا ناقتي ) و تنطقها باللهجة العامية مع أنها بالفصحى ؟ فأجابني : صحيح , و لكني لن أغير ! ، ثم قلت له أما الثانية : في الجملة ( كالمتكسرة أجنحتِه ) بكسر التاء , و المناسب أن تكون بالرفع و إن كان للكسر وجه . فقال صحيح , و سكت , ثم عندما استمعناه لم يغير أيضاً .
و كما قال الشاعر : و من ذا الذي تُرضى سجاياه كلها كفى المرء نبلاً أن تُعد معايبه
و كما قلت في مقال سابق أن الأستاذ كان مهتما بمتابعة الأحداث السياسية و الإجتماعية و في هذا المجال أتذكر أنه عند حادثة ( طبس ) المعروفة كان يقول لنا : على كل واحد منكم أن يصلي ركعتين شكرا لله . و من هذا الموقف تعلمت الشيئ الكثير كما لا يخفى .
و عرفت منه تقديره و إحترامه لأستاذه ( الوالد الخال الحاج ملا خليل أبو زيد ) فقد لازمه من عام 1376 هـ حتى آخر ساعة قبل رحيله رحمه الله . فقد سمعت منه أنه لازم أستاذه في بداياته ست سنوات كاملة ملازمة الظل ثم بعد إستقلاله بالخطابة استمر التواصل بينهما . و لم يمنعه من زيارة بيت أستاذه طوال هذه السنين إلا الظروف القاهرة من مرض أو سفر . و لعلي أوفق للكتابة عن ديوانية ( الوالد ملا خليل ) في وقت لاحق و أثر وجود الأستاذ رحمه الله و الفراغ الذي تركه بعد رحيله .
وقفة : سمعت من الأستاذ أن دعاه أحد المؤمنين للقراءة و بعد الإنتهاء جاء إليه و هو في السيارة و شكره و سلمه ظرفاً ( الأجرة ) ثم بعد انصرافه يقول فتحت الظرف و إذا به فارغاً ! فدعوت له بالخير و التوفيق ، يقول و أنا لا أشك في إيمانه و تقواه .
و أنا هنا أتمنى أني ذكرت شيئا و لو بسيطا وفاءاً و تكريماً للراحل الكبير ، متمنياً أن تسعفني ذاكرتي مرة أخرى للكتابة .
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
أيوب أبوزيد