
صورة وخاطرة من حياة الوالد الشيخ عبد الرسول البصاره رحمه الله (3)
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين
في الذكرى السنوية لرحيل الوالد رحمه الله
ونحن على اعتاب شهر محرم الحرام شهر التضحية والفداء، هذه اﻷيام التى نعيش فيها مع الحسين أحببت أن أذكر نفسي وإخوتى وأحبتى وبالخصوص خدام المنبر الشريف بشخصية من الشخصيات التى عرفت بإخلاصها وحبها للحسين
وهي شخصية عميد المنبر الحسيني المقدس الشيخ عبد الرسول البصارة (قدس) من خلال خدمة استمرت لما يقارب ستة عقود من الزمن، فيها عاشت هذه الشخصية مع الحسين
بكل ما تملك. كان رحمه الله مصداقاً للرواية التى تقول :(أن لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لاتبرد أبداً)
فسوف اتحدث من خلال هذه الخاطرة عما رأيته في هذه الشخصية من حب وتفاني وإخلاص وذوبان في خدمة الحسين وقضية المولى أبي عبدالله الحسين
كان لي شرف الإنتماء والإرتباط بخدمة الحسين من خلال أبوين كريمين تعلق قلبهما بالحسين
فكان والدي المرحوم الحاج عبدالعزيز بن جواد الغمغام (رحمه الله) يأخذني معه لمجالس الحسين
وكانت إحدى تلك المجالس والمآتم حسينية مياس. وأتذكر أني حضرت أول مجلس فيها وكان عمري ما يقارب ثمان إلى تسع سنوات ففي ليلةٍ من تلك الليالي العظيمه ولعلها ليلة التاسع من المحرم دخلت الحسينية وجلست عند الباب من شدة الزحام وكان الخطيب يقرأ والناس في بكاء وعويل ولطم وتفجع لمصاب الحسين
أخذتنى الهيبة والرهبة من ذلك المجلس فخرجت مع والدي (رحمه الله) من الحسينية وسألته عن الخطيب فقال لي: هو الشيخ عبدالرسول البصارة (قدس) فمن تلك الليلة تعلق قلبي بذلك الخطيب وبمجالسه وقراءته فصرت أحضر له في كل مجلس يرتقي فيه المنبر.
وكنت أحاول أن أتقرب إليه وأرتبط به أكثر وأبحث عن مجالسه في أي مكان. وحتى عندما انتقلنا إلى منطقة المنيرة كنت اجتهد للحضور في مجلسه بمياس وحسينية العوامي وفي ليلة من الليالي بعد انتهائه من القراءة في حسينية العوامي خرجنا من المأتم وطلبت من ابن أختى أن يتحدث مع الشيخ أبو أحمد (رحمه الله) ليأخذنا ويوصلنا على طريقه إلى بيتنا. فركبنا معه وفي الطريق كان يسأل: من وين أنتون ؟ شنهو اسمكم ؟ وين دراستكم ؟. وفي هذه المسافة من القلعة إلى المنيرة وجه لنا عدة نصائح ومنها الاهتمام بالدراسة والتوفيق لخدمة الحسين .
صورة تجمعني مع الوالد في ليلة ذكرى ميلاد الرسول صلى الله عليه وآله
ومرت اﻷيام وتشرفت بقراءة السيرة في حسينية مياس وأذكر أول مرة دخل الوالد العزيز إلى الحسينية وسمعني أقرأ وإذا به يشجعني ويعقب بعد كل كلمة وقصيدة بكلمة (أحسنت، جميل، موفق) وإذا انتهيت قال :(ما شاء الله خوش أسلوب وحسك جميل استمر يا ولدي بارك الله فيك).
وفكرت مرةً من المرات أن أطلب منه أن يسمح لي بأن اقرأ له مقدمة يعني (صانع) فوافق على ذلك، وأذكر أن أول مجلس كان ليلة رابع محرم فتجهزت وجيت وأنا لابس غترة فصعدت المنبر وقرأت الأبيات بنفس طريقته وأسلوبه وبعد أن انتهيت ونزلت قام ليصعد المنبر وقال أمام الجمهور بصوت رفيع ((أحسنت ..أحسنت لأفض فوك )) فهذه الكلمات وهذا التشجيع من أستاذ منبر كبير جعل في نفسي حباً لهذه الشخصية ودافع للتشرف بهذه الخدمة مع أن في قراءتي مافيها! ﻷنني مبتدئ ولكن هو كان يشجع كل من يحب الإرتباط بالخدمة الحسينية فلا تجد في نفسه الحسد والكراهية لمن يحب خدمة الحسين بحيث في الليلة الثانية أتيت للحسينيه ولم أكن أرتدي الغترة فهو بادرني بالسؤال (ماتبغى تقرأ الليلة؟) قلت له: نعم. قال: (وين الغترة؟). قلت له: في جيبي. فقال: (يالله البسها واصعد المنبر) فلبستها وصعدت المنبر وقرأت وأظهر لي الإعجاب بنفس الأسلوب وأمام الجمهور وكذلك ليلة السادس من المحرم.
وكنت أذهب معه لمعظم المجالس التى كان يقرأ فيها طوال السنه وكنت أرى فيه الإخلاص والحب والتشجيع لخدمة الحسين وكان يعمل جاهداً على أن يجعل القلوب حسينيةً بمعنى الكلمة بحيث كان يبذل جهداً كبيراً في المجالس لتحريك العواطف وربط الناس بالحسين
.
وأيضا تشرفت بالحضور عنده في درس اﻷجرومية وبعدها تكون جلسه عن الخطابة وفنيات الخطابة وأسلوب الخطيب وكيف يتعامل مع القصيدة، وكنت إذا سمعت منه قصيدةً جميلةً أطلب منه أن يلقيها لكي أكتبها كقصائد ملا معين السباك والسيد الشرع.
مع العلامة المقدس الشيخ منصور البيات (قدس)
في سنة من السنوات وفي ليلة العاشر من المحرم في حسينية السنان كان يحضر شيخ الزهاد والمتهجدين العلامة المقدس الشيخ منصورالبيات (قدس) والذي عرف بولائه وحبه وذوبانه في الحسين فبعد الإنتهاء من المجلس التقى الشيخ الوالد مع المقدس الشيخ منصور(رحمهما الله) عندالباب فتعذر الشيخ الوالد من أستاذه ﻷن المصيبة كانت حارةً وقويةً. فقال الشيخ منصور(قدس): (أحسنت لقد أبكيتنا وكذلك الإمام الحجة (عج)) وبكى الشيخ منصور والشيخ الوالد(قدس). وأيضا قال: (أثلجت صدر الحجة بهذه القراءة). و كان يحب ويعشق قرأة الوالد المقدس الشيخ عبد الرسول البصارة (قدس) ومن حبه لقراءته أوصلوا سماعةً من حسينية العوامي إلى منزل الشيخ منصور (قدس).
وقد حدثني الوالد (رحمه الله) بهذه القصة مع المقدس الشيخ منصور (قدس) ( في سنه من السنوات عزمت على الحج وصادف ذهابي يوم شهادة الإمام الجواد فكانت رحلتى متأخرة، فقلت لنفسي لماذا لا أذهب لمجلس الشيخ للإستماع، فذهبت وجلست إلى جانب المقدس الشيخ منصور (قدس) ولم أحب أن أظهر نفسي للشيخ كي لا يعرفنى ويطلب مني القراءة وهناك خطيب يقرأ. فجلست أستمع ووفق الخطيب في المجلس وأظهرالشيخ منصور إعجابه به وقال:(احسنت احسنت شوي شوي وتصير ملا عبد الرسول) بعد ذلك سلمت على الشيخ (قدس) وكان عرفنى وأظهر لي كامل اﻷحترام والتقدير.
صورة تجمعني بالوالد رحمه الله مع المقدس الشيخ محمد علي العمري قدس سره
وصادف أن كنت معه في المدينة المنورة في إحدى السنين وكان من عادته (رحمه الله) أن يرتقي الأعواد في مضيف الإمام الحسن عليه السلام عند سماحة العلامة المقدس الشيخ محمد علي العمري (قدس) وكان أهل المدينة إذا رأوا الوالد وهو في مضيف الإمام الحسن عليه السلام يعرفوا أنه سيصعد اﻷعواد للقراءة
وكانوا يحرصون على الحضور والمشاركة والتفاعل خصوصا إذا جعلهم يعيشون مأسات الزهراء عليها السلام وكان هناك الكثير من الجاليات تحضر وخصوصا من إيران فينبهروا بقراءته ويتفاعلوا معه وإذا نزل من المنبر يقومون بالالتفاف حوله ليتبركوا ويأخذوا معه بعض الصور

مع الوالد رحمه الله ويتوسطنا السيد الكوكبي (قدس)
أيضا تجد في هذه الصورة زيارة لبعض المراجع العظام كالسيد الكوكبي (قدس) وكانت في سنة ١٤٢٢هـ، وتشرفت بأن آخذ معه جولةً على المراجع وكلما ذهبت معه لمرجع من المراجع العظام كان يقول: أنا ممن يتشرف بالصعود على منبر الحسين وأحتاج إلى توجيهاتكم وإرشادتكم ودعائكم فالأمانة ثقيلة، فكان يحظى بالدعاء منهم ومن المواقف اللطيفه عند آية الله السيد حسين الشاهرودي (حفظه الله) بعد أن طلب منه الدعاء قال السيد: (نحن ممن نحتاج إلى دعائك ونسأل منك الشفاعة عندالحسين
) فبكى الشيخ الوالد (قدس) وظهرت عليه علامات الحزن.
أتذكر أني كنت أذهب معه معظم المجالس الحسينية وخصوصا في عاشوراء فكان يعيش مأساة الحسين في كل لحظة حتى في أثناء تنقله من مأتم لآخر كنت أراه يبكي في داخل السيارة.
مرة من المرات في حسينية الشايب بتاروت يوم التاسع من المحرم وبعد الانتهاء من مصيبة علي اﻷكبر وقراءة المصرع أراد أن يختم بهذه الأبيات وهي (من قطع اوصالك بسيفه) فوقف عند أول بيت ثم قال: (هذا الطور الكربلائي هذا التراث ارجع له ولاتنساه) ثم قال: (أتذكر في سنة من السنوات قرأت هذي اﻷبيات في حرم الحسين (ع) وأتمنى قبل لا أموت ارجع اقرأها مرة أخرى في حرم الحسين ) فبكى وبكى الجمهور ولم يتحمل ولم يستطيع أن يكمل القصيدة ونزل من على المنبر. فجاء وجلس في القسم الثاني من الحسينية وجاء إليه أحد الإخوة من المستمعين وهو يبكي وقال: أتذكر أني استمعت إليك في حرم الحسين
وأتمنى أن ترجع اﻷيام وأشوفك مرة أخرى تقرأ في نفس المكان. فبكى الشيخ الوالد (قدس) وبكى هذا المؤمن معه. وأذكر أن الوالد لم يفتر عن البكاء حتى أوصلته للبيت ولم استطع الحديث معه ﻷنه لازال متأثراً.
وهكذا عاش رحمه الله الإخلاص والذوبان في الحسين

ورحم الله من أهدى ثواب سورة الفاتحة لروحه وأرواح المؤمنين والمؤمنات
واحسنت ملا على سرد هذه الذكريات المؤلمه
لا انسى صوته وهو يجهش بالبكاء ويقول (امنيتي اقره هذه الابيات قبل لا اموت في كربلاء )